الدار البيضاء، أو كازا كما يردد البعض، مدينة الثقل الاقتصادي والتربوي والثقافي والاجتماعي والسياسي بالمغرب. مدينة حضرت في المخيال الشعبي الروائي والسينمائي والتشكيلي، الخ، المغربي ومن زوايا عديدة. مدينة كانت وعبر التاريخ القطب المؤثر في كل القضايا والقرارات الوطنية. بها من الممكن قياس طبيعة وجهد المغرب في مجالات التنمية المتعددة. مدينة كلما زرتها بين الفينة والأخرى إلا وسحرتك وجعلتك تتعلق بدواخلها، على الرغم من زحمة الحياة فيها. بل من زحمة هذه الحياة تتحقق العديد من أشكال الدهشة وكأنك في حضرة السينما.
مدينة هي اليوم تضم مجموعة من العمالات التي تدير شؤونها المتعددة. طريقة تقسيمها اليوم، شكل من أشكال البحث عن كيفية تطويرها لاسيما وهي رهان اقتصادي مغربي دائم. تقسيمها إداريا وسياسيا الخ، لا ينفي، في اعتقادي، الأخذ بعين الاعتبار وحدة المدينة.
كازا اليوم، تتوفر على مسرح مغربي كبير ومتعدد الاستعمال. شخصيا كلما مررت بالقرب منه (لازال لم يفتح)، إلا وتمنيت أن أحضر لبعض أنشطته الثقافية ولم لا المشاركة فيها؟. مسرح هو في قلب هذه المدينة. قيل لي إنه غير مسبوق وغير موجود في دول عديدة. أكيد، أن المدينة تتوفر على العديد من البنيات الثقافية المتعددة وفي مناطق عديدة داخل هذه المدينة، لكن، هذا لا ينفي أن هذا المسرح الكبير والمصمم بطريقة معمارية جميلة، سيكون له أثره في خلق جاذبية بالمدينة والمغرب ككل.
كازا ساحرة فعلا ومغرية وممارسة لسلطتها التلذذية. أتذكر صلتي بالمدينة حينما أتيت إليها سنة 1986، قادما من مراكش بعد أن أنهيت دراستي الجامعية لألتحق بالمدرسة العليا للأساتذة التي كانت خلف ثانوية محمد الخامس القريبة من حي ترسخ حبه في قلبي منذ ذلك الزمن إلى اليوم. إنه حي الأحباس. حي به مكتبات وأمكنة شعبية وتاريخية عريقة. قضيت بها سنة واحدة للتكوين، جعلتني أعرف بعض تفاصيل هذا الحي وطبيعة هدوئه الجميل.
كازا اليوم تتربع على عرش العديد من الرموز الفنية والثقافية،الخ. فيها ولدت أسماء ثقافية وفنية وعلمية وتربوية عديدة. فيها أيضا عاشت أسماء تنتمي إلى مجالات عديدة. ومنها أيضا مرت أسماء تركت بصمتها في ميادين مختلفة.
مدينة لا تنام، قبل كورونا طبعا !. لها سحرها الليلي وفضاءات عديدة تجلب الناظرين إليها. مدينة هي اليوم في حاجة إلى روح ثقافية وفنية جديدة. أكيد أن العديد من التظاهرات الثقافية والفنية، الخ، تنظم بها. شخصيا شاركت في العديد منها. لكن وفي ظل مسرحها الجديد وما به من مرافق وقاعات وتكنولوجيا ثقافية جد متطورة (حسب ما قيل لي)، ووجود أيضا حركية تربوية وتعليمية وجامعية جد هائلة، بل بها أسماء تدير مرافق علمية وتربوية لها قيمتها وأهميتها وعشقها للثقافة والفن مثل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وجامعتها والعديد من مرافق الثقافة و المؤسسات والجمعيات الجادة والعاشقة للثقافة والفن. مرافق هي اليوم أمامها مرفق ثقافي له قيمة عالمية، وأكيد أن ما لديها من أفكار ثقافية وفنية قد تتزين اليوم بهذا المسرح المغربي الكبير الذي لا ينتظر أظن إلا نهاية زمن كورونا ليفتح أبوابه لعشاق الثقافة والفن.
السينما واجهة من واجهات الثقافة والفن. هي اليوم بوابة جميلة لانتشال بنات وأبناء المدينة من أي تفكير قد يضر بهم. فئة الشباب فئة مهمة داخل هذه المدينة. مدارسنا، وعلى امتداد هذا الوطن العزيز من طنجة العالية وإلى الصحراء الجميلة، عليها أن ترسخ فعل السينما في حضن دروسها لأن الصورة اليوم وسيلة للتعلم والتربية على القيم الوطنية والدينية المعتدلة والإنسانية الكونية وتحقيق العديد من الأهداف والكفايات والغايات والمرامي المسطرة في كل المرجعيات التربوية الرسمية.
لا خوف على إنسان تربى في حضن الثقافة وتشبع بالفن الهادف. لن يعتدي على ممتلكات المدينة لا العامة ولا الخاصة. الفن يزرع الأمل ويشبع عاشقه بثقافة صوفية مفادها أن كل الكائنات مسكونة بروح علينا بعشقها.
مهام عديدة تنتظر من بيدهم توقيع القرارات الكبرى. كازا في حاجة إلى روح ثقافية وفنية جديدة. هي اليوم تغير جلدها وفي مجالات عديدة. الثقافة والفن، بوابة للعبور نحو ضفة التقدم. هي ليست للترفيه فقط، بل هي وسيلة رئيسية للتربية على الجمال واكتساب ذوق عاشق للحياة والجمال.
د. الحبيب ناصري
ناقد سينمائي.