تعتبر منظمة أنونيموس “Anonymous” من أشهر المنظمات المتخصصة بالاختراقات ذات الأهداف والرؤية والرسالة، وغالبا ما تكون هذه الرسالة سياسية وتتعلق بالدفاع عن حرية المعلومات وحماية الخصوصية ومقارعة الشركات التي تحارب الأمن والخصوصية، لذلك فقراصنة أنونيموس يخترقون شركات الرقابة الإلكترونية ويفضحونها وينشرون كل ما يتعلق بها ويسربون أكبر عدد من ملفاتهم، وكذلك يكشفون المؤسسات العسكرية التي ترتزق من الحروب و خبايا المؤسسات الفكرية الكبيرة .
كما قاموا بتعطيل عشرات المواقع الحكومية مثل البيت الأبيض ووزارة العدل الأمريكية وغيرها كثير وقاموا كذلك بإرسال آلاف الايميلات والاحتجاجات لأعضاء الكونجرس الأمريكي والمسؤولين في الولايات المتحدة بعد عزم الحكومة الأمريكية تمرير قانون يسمح بالرقابة على الإنترنت، مما نتج عنه إلغاء للقانون وتأجيل طرحه. كما أنهم أقدموا على تعطيل شبكات بنكية مثل VISA و Mastercard و Paypal بعدما قامت هذه البنوك بإيقاف التبرعات عن الويكيليكس وتسببوا لها بخسائر مالية تقدر بالملايين في عملية Operation Payback.
وكانت أشهرعملياتهم هيOpIsreal K والتي تكررت لـثلاث سنوات، وتوعدوا من خلالها بإزالة إسرائيل من الإنترنت، فأطاحوا ببورصة تل أبيب واخترقوا البنوك والمؤسسات الخاصة، واستمروا في شن الهجمات من القارات الخمس على إسرائيل في أبريل 2012 وأبريل 2013 و أبريل 2014، وكان لهذه الهجمات وقع كبير في العالم.
إن منظمة أنونيموس تمارس نوع من الاحتجاج الإلكتروني، وغالباً ما تستهدف مؤسسات سياسية أو عسكرية فاسدة فتكشف أسرارها أوتعطل مواقعها، وقد حشدت هذه الاختراقات الكبيرة من المنطلق الايدلوجي الذي تحمله أنونيموس تعاطف الكثير في العالم بالرغم من أن عملها غير قانوني، وذلك لأنها تدافع عن الخصوصية وعن حرية المعلومات وحصدت تأييدا كبيرا بلغ مرحلة الشعبية الواسعة.
لكن هذه الأعمال غير القانونية سببت غضب كبير للـمخابرات الأمريكية فقامت هذه الأخيرة بشن حملة شرسة على أعضاء أنونيموس ما بين سنة 2010 و2014، كانت حملة ذكية تنوعت فيها الأساليب الإلكترونية، فأطاحت بالعشرات منهم داخل وخارج الولايات المتحدة، وحوكموا بمحاكمات بعضها قاسية، كما تم تجنيد بعضهم على بعض واستمالت العديد منهم واستخدمتهم في الإيقاع بأصدقائهم أو باختراقهم، وعلى إثر تلك الاعتقالات والمحاكمات إختفت عمليات أنونيموس بشكل ملحوظ .
لكن في سنة 2015 ظهرت المنظمة مجدداً، ولكنها جاءت هذه المرة وهي تحمل تحولا فكريا أيديولوجيا جديدا، حيث خرجت من رحمها مجموعة “GhostSec”، التي كانت تستهدف بالأساس الإطاحة بمجموعة من المواقع الالكترونية العربية والاسلامية والشخصيات العامة بسبب الأحداث الارهابية “لشارلي ابدو” سنة 2015، فأصبح هدفها هو مراقبة ومحاربة الإرهاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتركيز على مراقبة ومتابعة والتبليغ عن حسابات المتعاطفين والمؤيدين لـ” الدولة الإسلامية” المعروفة ب”ISIS” و“جبهة النصرة” و “بوكو حرام” و “الشباب في الصومال”…
ولكن أنشطة الأختين “GhostSec و Anonymousتوقفت مرة أخرى لمدة ثلاثة سنوات، لكنها عادت وظهرت اليوم في الواجهة باسم Anonymousوذلك خلال الأحداث الأخيرة التي تجري في الولايات المتحدة الأمريكية، والمتعلقة باندلاع المظاهرات الاحتجاجية والمصادمات لليوم الخامس على التوالي على خلفية مقتل المواطن الأميركي ذي الأصول الأفريقية “جورج فلويد” على يد ضابط من شرطة مدينة مينيابوليس “دريك شوفين” بعدما قام هذا الأخير بطرحه أرضا وتثبيته لدقائق عدة بينما كان يضغط بركبته على رقبته، فصاح على إثرها عدة مرات “لا أستطيع أن أتنفس I can’t breath “، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وقد خرج أحد قراصة منظمة أنونيموس ليوجه كلامه للمواطنين الأمريكيين وللعالم كله من خلال فيديو نشرته المنظمة يوم السبت 30 ماي 2020 تتعهد فيه الانتقام للمواطن “جورج فلويد”، وقد جاء في كلام القرصان “أن الأعمال الوحشية والجرائم التي تقوم بها الشرطة هي مشكلة منتشرة في أمريكا، والتي أصابت بدون شك كل الأنظمة القضائية في البلاد”، لكنه أكد على أن قسم شرطة مينيابوليس من بين الأسوأ، ولديه سجل حافل من العنف والفساد، واعتبر أن ما حدث هذا الأسبوع من قتل وحشي للمواطن الأمريكي “جورج فلويد”، والذي أثار موجة من الاحتجاجات وموجة غضب عارمة، ليس إلا القليل من قائمة طويلة من القضايا البارزة في حالات القتل على يد ضباط الشرطة في الولاية، حيث قدم مجموعة من الأرقام والأسماء التي قتلت على يد الشرطة خلال العقدين الأخيرين في الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف الولايات والتي حصل عليها من خلال اختراق مواقع أقسام الشرطة والحصول على تسجيلات ووثائق تؤكد صحة كلامه، كما أنه توعد بنشر المزيد في الأيام المقبلة لفضح خروقاتهم، واستنكر بشدة الاستخفاف الوقح بحياة الناس من طرف الشرطة وأكد أن جميع الأدلة التي ظهرت حتى الآن تأكد بأن الضحية “فلويد” كان متعاونا تماما مع الشرطة، الأمر الذي يتعارض مع الادعاءات السابقة بكونه كان يقاوم الاعتقال، وأكد على أن الشرطيين الذين شاركا في عملية الاعتقال لديهم نمط عنف إجرامي في المهنة وهنا خص بالذكر (ديريك شوفن derek chauvin) و (توو تاو thao tou)، الذي ذكر أن لديهما تاريخ أسود من عمليات إطلاق النار والافراط في استعمال القوة، وقد ذكرت جريدة “Star Tribune” الأمريكية أن الضابط “شوفن” المسؤول عن وفاة “فلويد”، متورط في عدة عمليات إطلاق نار تسبب فيها في مقتل مشتبهين فيهم. وكما أن القرصان صرح قائلا:” يجب عدم التغاضي عن هذا النوع من التصرفات وأن ضباط الشرطة الذين يقتلون الناس ويرتكبون الجرائم يجب أن يحاسبوا كما نحاسب نحن جميعا وإلا سوف يعتقدون أنه لهم الحق في فعل ما يحلو لهم”، كما أضاف أن “السلطات ستدعي أن هذا التصرف هو تصرف فئة قليلة من عناصر الشرطة، ولكن ماذا عن الضباط الذين يقفون إلى جانبهم ولا يفعلون شيئا أثناء ارتكابهم هذه الجرائم؟ وماذا عن الضباط الذين يرفضون محاكمة هؤلاء المجرمين؟”، وتحدث أيضا عن استياء الناس من العنف والقمع من طرف الشرطة، وختم كلامه بقوله: ” بدأ الناس بالاستيقاظ وأصبحوا غاضبين في كل مرة يرون فيها إراقة الدم دون سبب ودون محاسبة، يجب أن يوجه لهؤلاء الضباط اتهامات جنائية، ويجب أن توجه للضابط “شوفين” بشكل خاص تهم القتل العمد، ولكن لسوء الحظ، نحن لا نثق في منظومتكم الفاسدة لتحقيق العدالة، لذلك سوف نكشف عن جرائمكم الكثيرة للعالم. نحن الفيلق قادمون. فليتوقعونا “we are the legion, expect us “”.
وبعد هذا التصريح قامت منظمة أنونيموس بحذف موقع شرطة مينابوليس من الإنترنت قبل أن يرجع مجددا، وتأججت المظاهرات والمصادمات في الشارع، وأعلنت حالة الطوارئ في عدة مدن أمريكية من بينها لوس أنجلوس وفيلادلفيا وأتلانتا، في محاولة لوقف الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في أنحاء البلاد، فيما وضعت وحدات الجيش في حالة تأهب.
وعمّت المظاهرات نحو 75 مدينة أميركية بحسب صحيفة نيويورك تايمز في تحد لإجراءات حظر التجوال التي أعلنت في عدة ولايات، وكذلك في تحد لانتشار فيروس كورونا. وقد قالت وسائل إعلامية أمريكية أن هناك أشخاص قتلوا وآخرون أصيبوا في عمليات إطلاق النار خلال التظاهرات الاحتجاجية التي شهدت أعمال شغب وتكسير لواجهات محلات وإحراق للمباني وسيارات الشرطة وعمليات نهب واسعة، كما أن المتظاهرين قاموا يوم 01 يونيو 2020 بمحاصرة البيت الأبيض مما دفع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كإجراء احترازي، إلى الانتقال إلى القبو السري داخل البيت الأبيض المخصص لمواجهة التهديدات الإرهابية والحروب، وذلك خوفا منه من اقتراب الاحتجاجات أكثر، وقد انتشر هاشتاك بانكر_بوي #bunkerboy على تويتر(بنكر يعني القبو)، وذلك استهزاء من اختباء الرئيس ترامب الذي لطالما كان يدعي القوة وعدم الخوف في خطاباته المتسمة بالعجرفة.
وبالموازاة فقد شهدت العاصمة الألمانية والبريطانية والهولاندية خروج مظاهرات للتضامن مع المحتجين في الولايات المتحدة وللمطالبة بوقف كل أشكال الاعتداءات والعنف من طرف الشرطة على المواطنين وخاصة السود، ووقف كل أشكال التمييز العنصري.
إن أحداث العنف هاته التي شابت التظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية ، وما صحبها من أعمال شغب ونهب، والإعلان عن حظر التجول في عدة ولايات وانتشار قوات الحرس الوطني وقوات الشرطة التي لم تتردد في تكثيف إطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز وتوالي الاعتقالات، ربما يعيد إلى الأذهان جانبا من مشاهد “الربيع العربي” قبل نحو تسع سنوات، فهل يا ترى سيكون ” جورج فلويد” هو “محمد بوعزيزي” الغرب الذي سيشعل شرارة “الربيع الأمريكي” والذي يمكن له أن يمتد فيصبح “ربيعيا أوروبيا” خصوصا في ظل التراجع الخطير الذي شهده العالم في الحقوق والحريات بحجة أزمة كورونا؟
#JusticeForGeorgeFloyd
#An_ony_mous
#BunkerBoy
#I_cant_breath
#we_cant_breath
#balck_lives_matter
—-> المصادرلمن يود الاضطلاع أكثر(باللغة الانجليزية):
https://mashable.com/2012/05/22/anonymous-department-justice/#VgAYXw8EBgq3
https://www.theguardian.com/technology/2012/nov/22/anonymous-cyber-attacks-paypal-court
https://en.wikipedia.org/wiki/OpIsrael
https://www.ibtimes.co.uk/anonymous-affiliate-ghostsec-thwarts-isis-terror-plots-new-york-tunisia-1512031