خولة الفاتحي – صحفية متدربة
يعتبر التعليم الجيد والمنصف حقًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمع.
فقد شكل تعميم التعليم أو التعليم للجميع أو إلزامية التعليم أحد الأهداف التي أولتها البلاد أهمية قصوى منذ الإستقلال إلى الآن، فوضعت لها مخططات خماسية، ونظمت منتديات للإصلاح، تحت شعارات : الجودة والقرب و الجهوية، بل شكل التعميم، الدعامة الأولى في ميثاقنا الوطني للتربية و التكوين.
إلا أنه بالرغم من هذه الشعارات، فإن الهدر المدرسي يشكل عائقا أمام تنمية المجتمع، فهو يؤثر في العالم بأسره و نتائجه ممكن أن تكون خطيرة، لأنه يؤدي إلى انتشار الأمية، والبطالة، والجريمة في المجتمع، و هدر الموارد المالية للدولة وذلك لما له من تأثيرات مباشرة على القدرات الاقتصادية لها، بالإضافة إلى وجود تأثير كبير على الناتج الداخلي للدولة.
ويشكل الهدر المدرسي بالوسط القروي، و المتمثل أساسا في عدم التحاق الأطفال بالمدرسة، وانقطاعهم عنها وذلك لعدم التمكن من ولوج مستويات أعلى، آفة تؤرق بال المسؤولين عن تدبير قطاع التربية و التكوين ببلادنا، فقد عمدت الدولة المغربية إلى تخصيص مجموعة من الإعتمادات في هذا الميدان إلى ما يفوق 20% من الميزانية العامة السنوية.
لكن رغم كل هذا فالمدارس في العالم القروي، تواجه تحديات عديدة تعيق عملية توفير التعليم الجيد للأطفال والشباب القرويين، كنقص الموارد التعليمية مثل الكتب الدراسية والمواد التعليمية الإضافية، والمعلمين، وكذا ضعف البنية التحتية التعليمية، والذي قد يكون من الصعب على هذه المدارس توفيرها، وهو ما يعد عائقًا كبيرًا أمام عجلة تنمية المجتمع، ويحول دون بلوغ الحاجيات المتزايدة لنظامنا التربوي في الآجال المناسبة.
وقد أكد الوزير شكيب بنموسى في عرض ألقاه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، أن معدل الهدر المدرسي على المستوى الوطني برسم 2020-2021، بالنسبة للتعليم الابتدائي وصل إلى %2.9. أما بالنسبة للتعليم الإعدادي، فيقدر بـ %9.7، وسجلت بالتعليم الثانوي التأهيلي نسبة %7.4، في حين بلغ معدل الهدر المدرسي بالوسط القروي بالأسلاك التعليمية الثلاثة في القطاع العام %5.9 خلال سنة 2021-2020.
وحذر أنه في العالم القروي ينقطع فيه ما يفوق 167 ألف تلميذا وتلميذة عن الدراسة، معلنا عن تسجيل نسبة %5.6 كنسبة انقطاع في صفوف الفتيات المتمدرسات بالوسط القروي، بما يقارب 76 ألف تلميذة منقطعة.
فحسب الوزير فإن الهدر المدرسي أغلبه في صفوف الفتيات بالوسط القروي بالتعليم الابتدائي، فهن أول الضحايا بسبب الصعوبات التي يواجهن في مواصلة مسارهن الدراسي، نظرا لغياب الأقسام الداخلية، وكذا بسبب برودة الطقس في الشتاء، والخوف من تعرضهن للاعتداءات، كما أنهم يقطعن كيلومترين أو أكثر للوصول إلى المدرسة، مما جعل العديد من الأسر تفضل عدم إرسال بناتهن للمدارس.
وأضاف أن نسبة هدر الفتيات في التعليم الابتدائي يصل إلى %4.4 مقابل نسبة %2.9 على المستوى الوطني، (ذكورا وإناثا)، وبالتعليم الإعدادي يقدر بنسبة %10.2 مقابل %9.7 على المستوى الوطني، وفي التعليم الثانوي التأهيلي، فقد سجل نسبة %6.2 مقابل %7.4 على المستوى الوطني.
ومن جهة أخرى، يقول الوزير، أنه يتم اعتماد مقاربة وقائية للتصدي للهدر المدرسي، من خلال تعزيز الدعم المدرسي لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم ، إلى جانب تنظيم حملات تحسيسية وخاصة في إطار عملية «من الطفل إلى الطفل» و»قافلة التعبئة المجتمعية» لإرجاع المنقطعين وتسجيلهم في المؤسسات التعليمية.
وقد كشف أيضا فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في مداخلة ألقاها خلال انعقاد الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، عن أرقام صادمة بخصوص ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، حيث أكد أن 331 ألف تلميذ غادروا أقسام الدراسة خلال الموسم الدراسي 2020-2021.
و أكد لقجع في كلمة له خلال جلسة حول «السياسات العمومية وتثمين الرأس مال البشري في المغرب»، أنه لا يمكن تصور إصلاح النظام التعليمي دون طرح الأسئلة المتعلقة بالإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر، وقال «إنه لا يمكن إصلاح النظام التعليمي دون استحضار القدرات والبيئة التي تعيش فيها الأسر، خصوصا في الوسط القروي»، معتبرا أن نجاح أي إصلاح في المجال التعليمي يجب أن يساير الورش الاجتماعي الذي يقوده الملك محمد السادس.
وتابع أن تجارب المبادرة الوطنية تعتبر فرصة حقيقية للنهوض بالنظام التعليمي في المغرب، مضيفا أن جلالة الملك أبرز في العديد من خطبه السامية أن تطور النظام التعليمي هو مفتاح التنمية البشرية، وأشار لقجع إلى أن الموارد المالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية تضاعفت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، لافتا إلى أنه رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار تبقى النتائج أقل من الطموحات المرجوة.
لذلك فمن أجل تحقيق التعليم الفعال في العالم القروي، يجب أن نتعامل بجدية مع مشكلة الهدر المدرسي، عبر توفير الموارد التعليمية و تدريب المعلمين و توعية وتحفيز أطفال العالم الحضري بالعموم و العالم القروي بالخصوص لمواصلة مسارهم الدراسي ،و كذا توفير النقل والبنية التحتية، وهو الذي يتطلب منا تعاون الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي و المدني من أجل توفير الموارد اللازمة، لكي يتمتع أطفال العالم القروي بنفس الفرص التعليمية التي يتمتع بها جميع الأطفال.
التعليقات مغلقة.