المحمدية في الصدارة وطنيّا في دراسة للتنمية المستدامة للمدن

أنجز فريق علمي مغربي بتعاون مع باحث مغربي من وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” دراسة حول التنمية المستدامة في 25 مدينة كبيرة بالمملكة، في الفترة الممتدة ما بين 2003 و2013، في إطار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول 2030.

وذكر الفريق، في دراسته العلمية المنشورة في مجلة العلوم الحضرية “Urban Science”، أن المغرب مُدرك لتحديات التنمية المستدامة، في ظل مواجهة الطفرة الديمغرافية والتوسع الحضري وخطط الإقلاع الاقتصادي، إذ تمت ترجمة هذا الالتزام من خلال المصادقة على أجندة 2030، والأهداف الـ17 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة. كما عقدت شراكات متعددة المؤسسات، تجمع المندوبية السامية للتخطيط ووكالات الأمم المتحدة، من أجل مخطط إطار لتتبع الأهداف.

ويضم فريق الدراسة كلا من الدكتور الهواري بونوا، أخصائي المناخ في مختبر علوم المحيط الحيوي التابع لوكالة “ناسا”، بتعاون مع البروفيسور محمد مسولي، رئيس فريق البحث حول التأثير والتعرض والتكيف مع تغير المناخ بكلية العلوم السملالية بمراكش، ونجلاء فتحي، أستاذة بالجامعة عينها، ومريم البركاوي من جامعة محمد الخامس بالرباط، وليلى الغزواني من المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية.

وتُقيِّم الدراسة مؤشر التنمية المستدامة في المناطق الحضرية، وهو مؤشر يَقيس مُعدل استهلاك الأراضي من أجل الاحتياجات الحضرية، مقارنة بمعدل النمو السكاني في الفترة نفسها.

ومن خلال الجمع بين بيانات الأقمار الصناعية، التي تم الحصول عليها من وكالة “ناسا”، والمعطيات الديمغرافية للمندوبية السامية للتخطيط، تمكن الفريق من تقييم توسع المناطق الحضرية وسكانها بشكل متوازٍ.

على مستوى النتائج وعكس كل التوقعات، جاءت مدينة المحمدية في المرتبة الأولى، تليها مدينة الدار البيضاء بمؤشر استدامة في حدود 0.41 و0.80 على التوالي، وتوضح الدراسة أنه كلما كان المؤشر أقل كلما كانت التنمية مستدامة، وكلما كان العدد أكبر ابتعدت التنمية عن الاستدامة.

وتعني هذه المؤشرات أن معدل استهلاك الأراضي في المحمدية والدار البيضاء أقل من معدل الزيادة السكانية، وترجع هذه الدرجات الجيدة التي حققتها المدينتان إلى خيار السكن العمودي أمام الزيادة السكانية، إضافة إلى التوزيع الناجع للعقار في العاصمة الاقتصادية والمحمدية.

من جهة أخرى، أظهر فريق البحث أن عاصمة المملكة، الرباط، سجلت زيادةً في منطقتها الحضرية وانخفاضًا في عدد السكان، ما أدى إلى زيادة في استغلال الأراضي بحوالي 48 متر مربع لكل فرد، وهو ما وفر لها تهوية أفضل وسلاسة أكبر من حيث الحركة والتنقل.

أما بالنسبة إلى مدينة مراكش السياحية، فيبدو أنها ابتعدت قليلًا عن خط التنمية المستدامة، إذ زادت المساحة التي يشغلها كل فرد بمقدار 3,5 متر مربع في ظرف عشر سنوات، وسجلت 1.13 في مؤشر التنمية المستدامة في المناطق الحضرية.

وفي الجنوب المغربي، تبرز الداخلة كمدينة ذات تنمية أكثر استدامة بعد مراكش مباشرة بمعدل 1.26، بينما نجد أن التنمية في السمارة ليست مستدامة بـ3.88؛ أما أسفل الترتيب، فقد كان من نصيب سلا بـ9.01 وآسفي بـ10.02، بسبب الاستغلال الكبير للأراضي نسبة إلى الزيادة السكانية.

ويشرح الفريق العلمي هذا التفاوت في استهلاك الأراضي الحضرية والنمو الديمغرافي من خلال وضع المغرب كدولة ناشئة، مشيرا إلى أن خيارات المستقبل القائمة على الاستقرار السياسي والسياحة والصناعة والاستثمار في البنية التحتية، تفرض استهلاكًا كبيرًا للأراضي.

وحسب الدراسة، فإن استدامة المدن أو قُدرتها على استيعاب الزيادة السكانية، دون اكتظاظ ودون استنزاف الموارد ولا المساس بالنمو المستقبل، هي قضية يجب أخذها بعين الاعتبار، وهذا يعتمد على قُدرة الفاعلين في مجال التخطيط والتهيئة على استغلال مكتسبات الكفاءة في إدارة المدن.

وأشار الخبراء المغاربة إلى أنه على الرغم من أهمية الجهود المكرسة للقطاع الحضري في المغرب، لا تزال الحلول المقدمة غير كافية للتحديات المقبلة، إذ يؤكدون أن المحمدية والدار البيضاء هما المدينتان اللتان تتطوران بشكل مستدام.

ووفق الدراسة، إذا لم تتم مراقبة وتنظيم استهلاك الأراضي في المناطق الحضرية عن كثب، سيطرح هذا الأمر تحديا كبيرا. كما دعت إلى الارتقاء بالبحث في الاستدامة إلى مرتبة الأولويات الوطنية من أجل مغرب مستدام وأفضل.

المصدر

Exit mobile version