أية علاقة بين المواطن و الجماعة ؟

فاطمة الزهراء بن عطية- صحفية متدربة

تشكل خدمة المصالح اليومية للمواطنات والمواطنين، جوهر إحداث الجماعات الترابية، كإدارات للقرب تشكل من الساكنة لخدمة الساكنة.

والحديث عن علاقة المواطن بالجماعة لا يمكن الخوض فيه دون تحديد طبيعة هاته العلاقة وأوج تلاقي بين طرفيها المواطن كركيزة من ركاز المجتمع والجماعة كمؤسسة عمومية إدارية يسيرها ذات المواطن لخدمة المواطن.

وقبل الخوض في تشخيص هاته العلاقة لابد من التطرق لطرفيها في لمحو بسيطة، فالطرف الأول هو المواطن أي انا، أنت وكل شخص كيفما كان بإختلافه جنسه، سنه، دينه أو حتى إنتماءه السياسي يعيش فوق تراب هذا الوطن وحدد الدستور المغربي في نسخته ليوليوز 2011 ما لهذا المواطن من حقوق وما عليه من واجبات، أما الطرف الثاني فهو الجماعة كمؤسسة دستورية يسيرها مجلس ينتخبه المواطن لولاية مدتها 6 سنوات ويشتغل بها موظفات وموظفون لتلبية إحتياجات المواطنات والمواطنين في مختلف المجالات الحياتية.

مقتطف من  الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة يوم الجمعة 14 أكتوبر، 2016

السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،

إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.

وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيآت المعنية ، وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية، هو جوهر عمل المؤسسات.

وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة ، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارة الترابية ، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية.

كما أقصد أيضا، مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات ، وحتى قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن ، كيفما كان نوعها.

فالغاية منها واحدة ، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه.

أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط، فما جدوى اللامركزية والجهوية، واللاتمركز الإداري، الذي نعمل على ترسيخه، منذ ثمانينيات القرن الماضي.

إن تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير.

ولكن مع كامل الأسف ، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة، وذلك لحسابات انتخابية.

وهم بذلك يتجاهلون بأن المواطن هو الأهم في الانتخابات، وليس المرشح أو الحزب، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل.

فإذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي، وحتى الوطني، فلما ذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟

إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي ، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية.

ولأن النجاعة الإدارية معيار لتقدم الأمم ، وما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن، فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان، سيبقى ضمن دول العالم الثالث ، إن لم أقل الرابع أو الخامس.

إن علاقة المواطن بالجماعة الترابية هي علاقة غير مفهومة أحيانا لأنه هو من يختار المسؤولين عنها والذين يأتمنهم على خدمة مصالحه اليومية، وسرعان ما تنقلب إختياراته عليه، وتعج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية المحلية والوطنية بالمقالات، التدوينات والتصريحات التي يعبر فيها المواطن بمختلف فئاته العمرية عن عدم رضاه عن أداء الجماعة.

إن المشرع كان واضح في تحديد إختصاصات الجماعات الترابية خصوصا ما جاء في فصول القانون التنظيمي 14-113 وفيها إختصاصات ذاتية، وإختصاصات مشتركة مع الدولة وأخرى منقولة من الدولة، بل الأكثر من ذلك فإن نفس القانون وقوانين أخرى حدد كل أنواع المداخيل التي تضخ في ميزانية الجماعة الترابية للقيام بكل هاته الإختصاصات بمختلفها.

هذا الوضوح يكون أحيانا بؤرة الأزمة بين المواطن وجماعته الترابية، فذلك الطموح الفطري الطامع دائما للأفضل، ومتابعة المواطن بكل كبيرة وصغيرة بجماعته، ومتابعته لمستجدات وأخبار وقرارات دورات مجلسها، تجعل من الحس الرقابي للمواطن مرتفعا، ويجعل من علاقة المواطن بالجماعة علاقة متشنجة، ويقلل من نسب رضى المواطن حول أداء الجماعة.

مما يحلينا على أهمية ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث اضحى من الضروري تحويل علاقة المواطن بالجماعة من علاقة مصلحة وعلاقة ظرفية تتقوى في فترة الانتخابات، إلى علاقة تعاقدية، تنبني على مسؤولية المواطن ذاته بتسيير جماعته، وفق مخططات وبرامج واضحة، لا من حيث الزمان او من حيث التكلفة، وإلزامية المحاسبة في أخر كل ولاية إنتخابية لتحديد المسؤوليات وتجويد الخدمة العمومية التي تقدمها الجماعة للمواطن.

Exit mobile version