التكوين الفني باب لاضافة رونق الجمالية للفن المسرحي


أجمع عدد من رواد فن الخشبة، الذين خبروا على مدى سنوات خبايا أبي الفنون ومتطلباته، على ضرورة اعتماد التكوين الفني المستمر كأداة محورية لضمان جمالية المسرح دون الإبقاء على كونه مجرد خطاب إديولوجي أو ترف أكاديمي.

وفي هذا الصدد، أكد المؤلف والمخرج والباحث المسرحي سعد الله عبد المجيد، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن ما يعاب على العروض المسرحية هو الانتقاص من أهمية التكوين الفني، مبرزا أنه يفترض في العرض أن يكون تقنيا وفنيا وليس مجرد خطاب إديولوجي.

واستعرض في هذا السياق، سلسلة من التعثرات ذات الصلة بالمعرفة الدرامية، بما في ذلك دراماتولوجيا الممثل، وفن السينوغرافيا، وعلاقة إدارة المخرج بالممثلين، والمعرفة بهندسة الخشبة، وبأهمية عناصر العرض المسرحي، وتوضيب الإنارة، وكذا علاقة الألوان باللباس فضلا عن مسألة الكوريغرافيا وموضوع إدماج التعبير الجسدي إلى مستوى الرقص.

وأوضح أن تكامل وتجانس هذه العناصر في ما بينها يقتضي بالضرورة جعل المسرح صناعة وحرفة قائمة الذات، مما يتطلب المزيد من الدعم سواء من الوزارة الوصية أو من قبل المجالس الجماعية للمساهمة في إدماج التكوين الفني، وبالتالي تأمين جمالية هذا العمل الابداعي، سواء من حيث الشخوص، أو النص، أو الفضاء المسرحي وسياقه وبعده الاجتماعي، وكذا في تصميم اللباس، وغيرها.

وعبر سرد لتجربته الطويلة في هذا المضمار، أشار المخرج إلى أن المسرح الاحترافي اليوم يختلف بشكل تام عن مسرح الهواة الذي ترعرع في كنفه، حيث لم يكن آنذاك الحديث عن مسألة الدعم، بل كان يتم الاعتماد على المخيلة وعلى الممثل فقط وكذا على ما يسمى “المسرح الفقير” الذي تنعدم فيه الديكورات الكبرى.

وأضاف أنه بالنظر للوضع الصعب آنذاك، كان المسرح مجرد خطاب إديولوجي، ولم يكم خطابا جماليا لأن الفترة والسياق كانا يقتضيان ذلك، مشيرا إلى أن الفرقة بجميع أعضائها كانت عبارة عن مقاولة جماعية الكل يساهم فيها بما لديه.

وأبرز أنه من خلال الانتقال إلى ما يسمى اليوم بالمسرح الاحترافي أضحى الفنان المحترف خاضعا لمقتضيات مدونة الشغل على اعتباره موظفا أو أجيرا أو عاملا أو تقنيا، مما يستدعي أخذ ذلك في الاعتبار ومراعاة المتطلبات المادية الكفيلة بضمان كرامته وتحسين ظروف اشتغاله ووضعه الاجتماعي .

وعن مسرحية “المجدوبية” التي كان وراء تأليفها، قال سعد الله إن إحرازها عدة جوائز منها الجائزة الكبرى لمهرجان الفداء الوطني للمسرح في نسخته الأولى، إلى جانب جائزتي أحسن مؤلف وأحسن تشخيص ذكور، يعد ثمرة عمل مكثف وتكوين مستمر على امتداد أكثر من 30 جولة عبر المملكة وخارجها، مبرزا أن الإعداد لكل عرض يتطلب المزيد من التمرين والبحث والتكوين وإعادة التكوين.

وقد شاطره الرأي رفيقه في الدرب، المؤلف والمخرج حميد مرشد الذي أكد بدوره أنه بعد الشرخ الذي طال الحقل المسرحي في غياب التكوين، استعاد هذا القطاع أنفاسه من جديد من خلال الدورات التكوينية التي تواكب العروض المسرحية كما هو الشأن بالنسبة للتظاهرة الثقافية الفنية لمقاطعة الفداء التي حاز فيها جائزة أحسن مخرج، مشددا على أن مثل هذه المبادرات كفيلة بإفراز طاقات واعدة لحمل المشعل.

وأضاف أنه بالرغم من التراجع في بعض الأعمال التي تسببت في النفور من المسارح، فهناك أعمال أخرى ذات طابع تجاري تستقطب أعدادا غفيرة من الجمهور الذي يبحث عن الفرجة للهروب من الضغوطات اليومية و المشاكل الحياتية.

وللحفاظ على هذا المكتسب وإعطاء المسرح المكانة التي يستحقها، دعا المسرحي مجالس المقاطعات إلى فتح قاعاتها في وجه الفرق المسرحية حتى يتأتى لها تقديم عروضها ولو بالمجان، من أجل تطوير قدرات الناشئة وتمكينها من خلال مواضيع جادة دون إغفال البعد الفرجوي.

وحث في هذا الشأن الطاقات الواعدة على متابعة دراستها قبل التفكير في الالتحاق بعالم المسرح ودهاليزه، مشددا على أن التعليم هو مصدر النجاح في كافة هذه المهن والحرف، وهو مفتاح امتلاك ضوابط التحكم في كافة الممارسات والأعمال الابداعية بمختلف تجلياتها من مسرح وسينما وغيرها.

وفي نفس الطرح أكد الممثل المسرحي سعيد مزوار رئيس محترف الفن الأصيل، أن النجاح يزداد طعمه بعد العناء، مبرزا أن حصوله على جائزة أحسن تشخيص في فئة الذكور بمهرجان الفداء الوطني للمسرح لم يأت من فراغ بل هو وليد إصرار ومثابرة متواصلين.

وأوضح أن مشاركته في العرض المسرحي “المجدوبية” للمخرج سامي سعد الله أكسبه الكثير، ففضلا عن حب الجمهور تمكن من الظفر بهذا التتويج الذي هو ثمرة اشتغال دؤوب على الشخصية من خلال سلسلة من التمارين والتكوينات والقراءة والبحث والتشخيص المتواصل التي يجريها بشكل متجدد استعدادا لكل عرض من عروض هذه المسرحية التي لقيت في مختلف محطاتها استحسانا متزايدا داخل المغرب وخارجه.

وأشار إلى أن الممثل حتى يتمكن من استيعاب واحتواء الشخصية التي يعمل على تأديتها، يفترض فيه العمل على تفتيتها والبحث في أدق تفاصيلها، حتى يتمكن من استكمال ملامحها بشكل يصعب على المشاهد والمتلقي الفصل في تجسيدها بين الواقع والخيال الابداعي، مؤكدا في هذا الصدد أن كل ما ينبع من القلب يستقر في القلب.


Exit mobile version